mido مديـر الموقع
عدد المساهمات : 144 تاريخ التسجيل : 13/06/2011
| موضوع: وقعت عين جالوت الثلاثاء يونيو 14, 2011 3:27 pm | |
| التاريخ الهجري 658 هـ استهلت هذه السنة بيوم الخميس وليس للناس خليفة، وملك العراقين وخراسان وغيرها من بلاد المشرق للسلطان هولاكو خان ملك التتار، وسلطان ديار مصر الملك المظفر سيف الدين قطز، مملوك المعز أيبك التركماني، وسلطان دمشق وحلب الملك الناصر بن العزيز بن الظاهر، وبلاد الكرك والشوبك للملك المغيث بن العادل بن الكامل محمد بن العادل أبي بكر بن أيوب. وهو حرب مع الناصر صاحب دمشق على المصريين، ومعهما الأمير ركن الدين بيبرس البندقداري، وقد عزموا على قتال المصريين، وأخذ مصر منهم. وبينما الناس على هذه الحال وقد تواترت الأخبار بقصد التتار بلاد الشام إذ دخل جيش المغول صحبة ملكهم هولاكو خان وجازوا الفرات على جسور عملوها، ووصلوا إلى حلب في ثاني صفر من هذه السنة، فحاصروها سبعة أيام ثم افتتحوها بالأمان. ثم غدروا بأهلها وقتلوا منهم خلقاً لا يعلمهم إلا الله عز وجل، ونهبوا الأموال، وسبوا النساء والأطفال، وجرى عليهم قريب مما جرى على أهل بغداد، فجاسوا خلال الديار وجعلوا أعزة أهلها أذلة، فإنا لله وإنا إليه راجعون. وامتنعت عليه القلعة شهراً ثم استلموها بالأمان، وخرب أسوار البلد وأسوار القلعة وبقيت حلب كأنها حمار أجرب، وكان نائبها الملك المعظم توران شاه بن صلاح الدين وكان عاقلاً حازماً، لكنه لم يوافقه الجيش على القتال، وكان أمر الله قدراً مقدوراً. وقد كان أرسل هولاكو يقول لأهل حلب: نحن إنما جئنا لقتال الملك الناصر بدمشق، فاجعلوا لنا عندكم شحنة، فإن كانت النصرة لنا فالبلاد كلها في حكمنا، وإن كانت علينا فإن شئتم قبلتم الشحنة وإن شئتم أطلقتموه. فأجابوه ما لك عندنا إلا السيف، فتعجب من ضعفهم وجوابهم، فزحف حينئذ إليهم وأحاط بالبلد، وكان ما كان بقدر الله سبحانه. ولما فتحت حلب أرسل صاحب حماه بمفاتيحها إلى هولاكو، فاستناب عليها رجلاً من العجم يدّعي أنه من ذرية خالد بن الوليد يقال له: خسروشاه، فخرب أسوارها كمدينة حلب. (ج/ص: 13/254) صفة أخذهم دمشق وزوال ملكهم عنها سريعاً أرسل هولاكو وهو نازل على حلب جيشاً مع أمير من كبار دولته يقال له كتبغانوين، فوردوا دمشق في آخر صفر فأخذوها سريعاً من غير ممانعة ولا مدافع، بل تلقاهم كبارها بالرحب والسعة. وقد كتب هولاكو أماناً لأهل البلد، فقرئ بالميدان الأخضر ونودي به في البلد، فأمن الناس على وجل من الغدر، كما فعل بأهل حلب، هذا والقلعة ممتنعة مستورة، وفي أعاليها المجانيق منصوبة والحال شديدة. فأحضرت التتار منجنيقاً يحمل على عجل والخيول تجرها، وهم راكبون على الخيل وأسلحتهم على أبقار كثيرة، فنصب المنجانيق على القلعة من غربيها، وخربوا حيطاناً كثيرة وأخذوا حجارتها ورموا بها القلعة رمياً متواتراً كالمطر المتدارك. فهدموا كثيراً من أعاليها وشرفاتها وتداعت للسقوط، فأجابهم متوليها في آخر ذلك النهار للمصالحة، ففتحوها وخربوا كل بدنة فيها، وأعالي بروجها، وذلك في نصف جمادى الأولى من هذه السنة. وقتلوا المتولي بها بدر الدين بن قراجا، ونقيبها جمال الدين بن الصيرفي الحلبي، وسلموا البلد والقلعة إلى أمير منهم يقال له: إبل سيان، وكان لعنه الله معظماً لدين النصارى، فاجتمع به أساقفتهم وقسوسهم، فعظمهم جداً، وزار كنائسهم، فصارت لهم دولة وصولة بسببه. وذهب طائفة من النصارى إلى هولاكو وأخذوا معهم هدايا وتحفاً، وقدموا من عنده ومعهم أمان فرمان من جهته، ودخلوا من باب توما ومعهم صليب منصوب يحملونه على رؤوس الناس، وهم ينادون بشعارهم، ويقولون: ظهر الدين الصحيح دين المسيح. ويذمون دين الإسلام وأهله، ومعهم أواني فيها خمر لا يمرون على باب مسجد إلا رشوا عنده خمراً، وقماقم ملآنة خمراً يرشون منها على وجوه الناس وثيابهم، ويأمرون كل من يجتازون به في الأزقة والأسواق أن يقوم لصليبهم. ودخلوا من درب الحجر فوقفوا عند رباط الشيخ أبي البيان ورشوا عنده خمراً، وكذلك على باب مسجد درب الحجر الصغير والكبير، واجتازوا في السوق حتى وصلوا درب الريحان أو قريب منه، فتكاثر عليهم المسلمون فردوهم إلى سوق كنيسة مريم. فوقف خطيبهم إلى دكة دكان في عطفة السوق فمدح دين النصارى وذم دين الإسلام وأهله، فإنا لله وإنا إليه راجعون. ثم دخلوا بعد ذلك إلى كنيسة مريم وكانت عامرة ولكن كان هذا سبب خرابها ولله الحمد. وحكى الشيخ قطب الدين في (ذيله على المرآة) أنهم ضربوا بالناقوس في كنيسة مريم فالله أعلم. قال: وذكر أنهم دخلوا إلى الجامع بخمر وكان في نيتهم إن طالت مدة التتار أن يخربوا كثيراً من المساجد وغيرها، ولما وقع هذا في البلد اجتمع قضاة المسلمين والشهود والفقهاء فدخلوا القلعة يشكون هذا الحال إلى متسلمها إبل سيان فأهينوا وطردوا، وقدم كلام رؤساء النصارى عليهم. فإنا لله وإنا إليه راجعون. وهذا كان في أول هذه السنة وسلطان الشام الناصر بن العزيز وهو مقيم في وطأة برزه، ومعه جيوش كثيرة من الأمراء وأبناء الملوك ليناجزوا التتار إن قدموا عليهم، وكان في جملة من معه الأمير بيبرس البندقداري في جماعة من البحرية، ولكن الكلمة بين الجيوش مختلفة غير مؤتلفة، لما يريده الله عز وجل. وقد عزمت طائفة من الأمراء على خلع الناصر وسجنه ومبايعة أخيه شقيقه الملك الظاهر علي. فلما عرف الناصر ذلك هرب إلى القلعة وتفرقت العساكر شذر مذر وساق الأمير ركن الدين بيبرس في أصحابه إلى ناحية غزة، فاستدعاه الملك المظفر قطز إليه واستقدمه عليه، وأقطعه قليوب، وأنزله بدار الوزارة، وعظم شأنه لديه، وإنما كان حتفه على يديه. (ج/ص: 13/255) اتفق وقوع هذا كله في العشر الأخير من رمضان من هذه السنة، فما مضت سوى ثلاثة أيام حتى جاءت البشارة بنصرة المسلمين على التتار بعين جالوت، وذلك أن الملك المظفر قطز صاحب مصر لما بلغه أن التتار قد فعلوا بالشام ما ذكرنا، وقد نهبوا البلاد كلها حتى وصلوا إلى غزة، وقد عزموا على الدخول إلى مصر، وقد عزم الملك الناصر صاحب دمشق على الرحيل إلى مصر، وليته فعل، وكان في صحبته الملك المنصور صاحب حماه وخلق من الأمراء وأبناء الملوك. وقد وصل إلى قطية وأكرم الملك المظفر قطز صاحب حماه، ووعده ببلده ووفاه له، ولم يدخل الملك الناصر مصر بل كر راجعاً إلى ناحية تيه بني إسرائيل، ودخل عامة من كان معه إلى مصر، ولو دخل كان أيسر عليه مما صار إليه. ولكنه خاف منهم لأجل العداوة فعدل إلى ناحية الكرك فتحصن بها وليته استمر فيها، ولكنه قلق فركب نحو البرية - وليته ذهب فيها - واستجار ببعض أمراء الأعراب، فقصدته التتار وأتلفوا ما هنالك من الأموال وخربوا الديار وقتلوا الكبار والصغار وهجموا على الأعراب التي بتلك النواحي فقتلوا منهم خلقاً وسبوا من نسلهم ونسائهم. وقد اقتص منهم العرب بعد ذلك، فأغاروا على خيل جشارهم في نصف شعبان فساقوها بأسرها، فساقت وراءهم التتار فلم يدركوا لهم الغبار ولا استردوا منهم فرساً ولا حماراً. وما زال التتار وراء الناصر حتى أخذوه عند بركة زيزي، وأرسلوه مع ولده العزيز، وهو صغير وأخيه إلى ملكهم هولاكو خان وهو نازل على حلب، فما زالوا في أسره حتى قتلهم في السنة الآتية كما سنذكره. والمقصود أن المظفر قطز لما بلغه ما كان من أمر التتار بالشام المحروسة وأنهم عازمون على الدخول إلى ديار مصر بعد تمهيد ملكهم بالشام، بادرهم قبل أن يبادروه وبرز إليهم وأقدم عليهم قبل أن يقدموا عليه. فخرج في عساكره وقد اجتمعت الكلمة عليه، حتى انتهى إلى الشام واستيقظ له عسكر المغول وعليهم كتبغانوين. وكان إذ ذاك في البقاع فاستشار الأشرف صاحب حمص والمجير بن الزكي، فأشاروا عليه بأنه لا قبل له بالمظفر حتى يستمد هولاكو فأبى إلا أن يناجزه سريعاً، فساروا إليه وسار المظفر إليهم، فكان اجتماعهم على عين جالوت يوم الجمعة الخامس والعشرين من رمضان. (ج/ص: 13/256) فاقتتلوا قتالاً عظيماً، فكانت النصرة ولله الحمد للإسلام وأهله، فهزمهم المسلمون هزيمة هائلة، وقتل أمير المغول كتبغانوين وجماعة من بيته، وقد قيل إن الذي قتل كتبغانوين الأمير جمال الدين آقوش الشمسي، واتبعهم الجيش الإسلامي يقتلونهم في كل موضع، وقد قاتل الملك المنصور صاحب حماه مع الملك المظفر قتالاً شديداً. وكذلك الأمير فارس الدين أقطاي المستعرب، وكان أتابك العسكر، وقد أسر من جماعة كتبغانوين الملك السعيد بن العزيز بن العادل فأمر المظفر بضرب عنقه، وأستأمن الأشرف صاحب حمص. وكان مع التتار وقد جعله هولاكو خان نائباً على الشام كله، فأمنه الملك المظفر، ورد إليه حمص، وكذلك رد حماه إلى المنصور وزاده المعرة وغيرها. وأطلق سلمية للأمير شرف الدين عيسى بن مهنا بن مانع أمير العرب، واتبع الأمير بيبرس البندقداري وجماعة من الشجعان التتار يقتلونهم في كل مكان، إلى أن وصلوا خلفهم إلى حلب، وهرب من بدمشق منهم يوم الأحد السابع والعشرين من رمضان. فتبعهم المسلمون من دمشق يقتلون فيهم، ويستفكّون الأسارى من أيديهم، وجاءت بذلك البشارة ولله الحمد على جبره إياهم بلطفه فجاوبتها دق البشائر من القلعة وفرح المؤمنون بنصر الله فرحاً شديداً، وأيد الله الإسلام وأهله تأييداً وكبت الله النصارى واليهود والمنافقين وظهر دين الله وهم كارهون. فتبادر عند ذلك المسلمون إلى كنيسة النصارى التي خرج منها الصليب فانتهبوا ما فيها وأحرقوها وألقوا النار فيما حولها فاحترق دور كثيرة إلى النصارى، وملأ الله بيوتهم وقبورهم ناراً، وأحرق بعض كنيسة اليعاقبة، وهمت طائفة بنهب اليهود. فقيل لهم إنه لم يكن منهم من الطغيان كما كان من عبدة الصلبان، وقتلت العامة وسط الجامع شيخاً رافضياً كان مصانعاً للتتار على أموال الناس يقال له: الفخر محمد بن يوسف بن محمد الكنجي، كان خبيث الطوية مشرقياً ممالئاً لهم على أموال المسلمين قبحه الله. وقتلوا جماعة مثله من المنافقين فقطع دابر القوم الذين ظلموا والحمد لله رب العالمين. وقد كان هولاكو أرسل تقليداً بولاية القضاء على جميع المدائن: الشام، والجزيرة، والموصل، وماردين، والأكراد وغير ذلك، للقاضي كمال الدين عمر بن بدار التفليسي. وقد كان نائب الحكم بدمشق عن القاضي صدر الدين أحمد بن يحيى بن هبة الله بن سني الدولة من مدة خمس عشرة سنة، فحين وصل التقليد في سادس عشرين ربيع الأول قرئ بالميدان الأخضر فاستقل بالحكم في دمشق، وقد كان فاضلاً. فسار القاضيان المعزولان صدر الدين بن سني الدولة ومحيي الدين بن الزكي إلى خدمة هولاكو خان إلى حلب، فخدع ابن الزكي لابن سني الدولة وبذل أموالاً جزيلة، وتولى القضاء بدمشق ورجعا. فمات ابن سني الدولة ببعلبك، وقدم ابن الزكي على القضاء ومعه تقليده وخلعة مذهبة فلبسها وجلس في خدمة إبل سنان تحت قبة النسر عند الباب الكبير، وبينهما الخاتون زوجة إبل سنان حاسرة عن وجهها. وقرئ التقليد هناك والحالة كذلك، وحين ذكر اسم هولاكو نثر الذهب والفضة فوق رؤوس الناس، فإنا لله وإنا إليه راجعون، قبح الله ذلك القاضي والأمير والزوجة والسلطان. (ج/ص: 13/257) وذكر أبو شامة: أن ابن الزكي استحوذ على مدارس كثيرة في مدته هذه القصيرة، فإنه عزل قبل رأس الحول، فأخذ في هذه المدة العذراوية والسلطانية والفلكية والركنية والقيمرية والعزيزية مع المدرستين اللتين كانتا بيده التقوية والعزيزية. وأخذ لولده عيسى تدريس الأمينية ومشيخة الشيوخ، وأخذ أم الصالح لبعض أصحابه وهو العماد المصري، وأخذ الشامية البارانية لصاحب له، واستناب أخاه لأمه شهاب الدين إسماعيل بن أسعد بن حبيش في القضاء وولاه الرواحية والشامية البرانية. قال أبو شامة: مع أن شرط واقفها أن لا يجمع بينها وبين غيرها. ولما رجعت دمشق وغيرها إلى المسلمين، سعى في القضاء وبذل أموالاً ليستمر فيه وفيما بيديه من المدارس، فلم يستمر بل عزل بالقاضي نجم الدين أبي بكر بن صدر الدين بن سني الدولة، فقرئ توقيعه بالقضاء يوم الجمعة بعد الصلاة في الحادي والعشرين من ذي القعدة عند الشباك الكمالي من مشهد عثمان من جامع دمشق. ولما كسر الملك المظفر قطز عساكر التتار بعين جالوت ساق وراءهم ودخل دمشق في أبهة عظيمة وفرح به الناس فرحاً شديداً ودعوا له دعاء كثيراً، وأقر صاحب حمص الملك الأشرف عليها، وكذلك المنصور صاحب حماه، واسترد حلب من يد هولاكو، وعاد الحق إلى نصابه ومهد القواعد. وكان قد أرسل بين يديه الأمير ركن الدين بيبرس البندقداري ليطرد التتار عن حلب ويتسلمها ووعده بنيابتها، فلما طردهم عنها وأخرجهم منها وتسلمها المسلمون استناب عليها غيره وهو علاء الدين ابن صاحب الموصل. وكان ذلك سبب الوحشة التي وقعت بينهما واقتضت قتل الملك المظفر قطز سريعاً، ولله الأمر من قبل ومن بعد. فلما فرغ المظفر من الشام عزم على الرجوع إلى مصر واستناب على دمشق الأمير علم الدين سنجر الحلبي الكبير والأمير مجير الدين بن الحسين بن آقشتمر، وعزل القاضي ابن الزكي عن قضاء دمشق، وولي ابن سني الدولة ثم رجع إلى الديار المصرية والعساكر الإسلامية في خدمته، وعيون الأعيان تنظر إليه شزراً من شدة هيبته. | |
|